د. جاستن ج. بيلي *


المسرح نشاط إنساني يسعي إلى تحقيق العديد من التوازنات   

مدخل في مفهوم المصطلح:

كانت النشأة الأولى للمسرح في الطريق من شخص لم يلتحق بأي اكاديمية متخصصة لدراسة فنون المسرح، كان ذلك منذ ما يقارب 3000 الف سنه، شخص بسيط يتجول في عربة يجرها حصان أو (حمار) كان يبدل ثيابه مبدلا بذلك الشخصيات التي يؤديها على تلك العربة التي مثلت دور خشبة المسرح وقتها، كذلك الأقنعة التي يغيرها من حين إلى آخر لتعطي انطباعا عن سيكولوجية شخصية جديدة، كان ذاك الشخص هو الممثل الإغريقي الأول المعروف باسم (تيسبيس).

كان ذلك نشاطاً حراً لا يعرف القيود وقانونه الأول هو نقل الحكاية والرواية عبر تقنية الأداء ومحاكاة افعال الانسان او حالاته الروحية والنفسية المتجلية في سلوكه اليومي،  حاول بذلك الاداء التعبير عن الإنسان للإنسان وبالانسان،  مارس حريته في التعبير.

فلسفة مسرح الهواة:

· التأليف:

يعتبر من ركائز الأدب المسرحي، وهو القدرة على إعادة بناء هيكلة و بنية المسرحية (القصة، أو مجريات الحدث) لتكون جاهزة للتمثيل وتحويلها إلى عرض مسرحي حي أمام جمهور من النظارة، اذا هي قصة تم كتابتها لتكون قابلة للعرض أمام الجمهور اي يستطيع الممثلين من خلال رؤية المخرج تحويلها إلى عرض مسرحي.

وفي غالب الأحيان يكون التأليف في مسرح الهواة جماعي (ورشة ) أو ارتجالي علي فكرة او قصة معينه، نادرة ما يكون هناك نص مسرحي يتم عليها العمل.

·   الأداء :

الأداء في المسرح يتعلق بصورة اساسية بفن التمثيل باعتبار مركزية  الفعل نفسه في ممارسة المسرح وجميع أشكال الدراما الاخري، في الاذاعة  والتلفزيون والسينما، مع العلم انه لاتوجد ممارسة مسرحية تغيب عنها الإخراج بشكل أو آخر باعتبار الإخراج فن تصميم العرض المسرحي وتحضيره ليكون صالح للعرض،

هذا إن كان هناك مخرج واضح كما في المسرح المحترف ام مخرج خفي في بعض المجموعات التي تصمم عروضها بشكل جماعي.

يعتمد مسرح الهواة في أدائها التمثيلي على شكل أداء أقرب إلى تقنيات كوميديا الفنون في فترات مابين وقبل وبعد النهضة الاوروبية، فيه يعتمد في غالب الأمر على شخصيات معينة يجيدها بعض الممثلين وكل افراد الفرقه يعلمون جيدا أن هذه الشخصية تتناسب مع الممثل أو الممثلة المحدد أو المحددة، وعلى ضوء هذه الرؤية يتطور الصراع والأحداث ودفق الأداء.

كما نلاحظ الكثير من سلوكيات الاكلاشيه في الكثير من الاداء وبالتأكيد هناك بعض الأسباب التي تدعم استمرار الأداء الاكلاشيهي، والتي سوف نتعرض لها فيما بعد، وهذا لا ينفي وجود طفرات ابداعية متماسكة في جمالها وقدرتها الإبداعية.

هنا يمكنني ان اصنف الممثلين في مسرح الهواة إلى نوعين:

الأول: يعتمد فيه الممثل علي عرض نفسه للجمهور بعيد عن الشخصية وما تريده الشخصية، وهذا ما يمكن تسميه بالممثل الأناني الذي يجبر الشخصية ويلونه برغبته الذاتية وسلوكه اليومي، وقتها لايمكن للاخر اي الجمهور أن يفرق بين سلوكه في الحياة وسلوكيه وهو على خشبة المسرح، وهذا الممثل يحاول بهذه الطريقة تقييد مستقبله بوضع حدود مقيدة يمكنه أن يشل ابداعه في المستقبل.

الثاني: الممثل المتواضع الذي يتخلى عن ذاته ويذهب إلى الشخيصة يريد ان يفهم ماذا تريده الشخصية وكيف تتحدث وكيف تمشي وكيف تاكل وكيف تفكر وتغضب وتفرح وترقص وتغني وتحزن ، يتخلى عن ذاته ويبحر في أعماق الشخصية، هو الممثل الذي يمكنه أن ينتقل سريعا من مرحلة الهواية إلى الاحتراف وسوف يكون له مستقبل مشرق.

· مواضيع العرض:

مواضيع العرض في كل مسرحية أيا كان هي مواضيع حيه من موضوعات يحيط بالإنسان أينما كان وكيفما كان،  فهي اما موضوعات في واقعة أو في احلامه وآماله او اوجاعه، لذا لا يمكن أن يكون العرض المسرحي إلا إذا كان في علاقة شرطية مع الوجود العاطفي والمعرفي أو العقائدي مع صانعي العرض (ممثلون، ومخرجون وكتاب دراما).

اذا الدراما في طرحه الفكري والجمالي ما هو إلا فيضٌ دفاق من تداعيات بصرية احلام وامال وواقع الصانع مع الكثير او القليل من الابداعات الجمالية التي تضفي على الواقع بعدا اخر، بعدا يستطيع ان يأثر الناظرين من الجمهور، يلمسهم يتحدث عنهم يشاركهم يشركهم في علاقات حية مع أنفاس الممثلين من على منصة الأداء باختلافاتها  الشكلية والثقافية. وهنا الكثير من نماذج المسرحيات التي تتناول موضوعاتها الحياة اليومية، وعلى سبيل المثال لا الحصر مهرجان الولايات لمسرح الهواة والتي نظمتها منظمة جنوب السودان للمسرح فإن كل العروض المسرحية التي قدمت في هذا المهرجان تتناول واقع الحياة للوصول بها إلى حوار جمالي متعددة الأبعاد (المصالحه،  الصراع، التعايش الاجتماعي، العنف ضد المرأة في الثقافات المحلية.. وغيرها) وكذلك تفعل الفرق التي تنتشر في مدينة جوبا العاصمة القومية لجنوب السودان وضواحيها علي تقديم مثل هكذا عروض مسرحية.

· الشخصيات :

الشخصية هي محور الحدث وحامل المعاني ومصدر الفعل نتيجة لصراع رغباتها المتعددة في مسار القصة والاحداث، ففي هذه التجربة من المسرح (مسرح الهواة) فان الشخصيات في بنيتها الهيكلية والأيديولوجية تم تصنيعها من رحم الواقع أناس يمكن أن تشاهدهم في الشارع العام، او ربما تجدهم من حولك في البيت أو مكان العمل، هكذا هو الحال بالشخصيات في طبيعتها وواقعها لا تختلف عن الواقع فهي التي تفعل الأحداث الواقعية، ضمن سياق هذه الدراسة سوف اعمل علي تشريح الشخصيات الي نوعين لتخدم رؤية الورقة البحثية على النحو التالي:

الأول: الشخصية الواقعية:

وهي الشخصيات التي يمكن أن نجدها في كل مكان حولنا كالرجل السكير الاب، الام الصبورة التي تتحمل معاملات وقسوة الأب من اجل ابنائها، الأخ البكر الذي يضحي بتعليمه من أجل الانخراط في العمل لتوفير بعض من المصاريف المدرسية لاخوانه واخواته ليكملوا تعليمهم، الفتاة الجميلة التي يتم استغلالها من اجل الوظيفة والعمل، وغيرها من الشخصيات التي يمكننا ان نجدها حولنا في واقع الحياة اليومية فهي صديقة لنا أو عدوة لنا معها مواقف مختلفة في الحياة وهي بطبيعتها تمثل الواقع اليومي.

الثانية: الشخصية الرمزية:

وهي شخصية تم صناعتها بحنكة ناتجة عن التطور المعرفي والأيديولوجي لدى هذه المجموعات المسرحية فهي قد تخَلَقَت عبر التراكم المعرفي والنضج السياسي والاجتماعي والثقافي للممثلين والمخرجين انفسهم، هذه الشخصيات تم تكوينها وبنائها لتكون مقبولة للمجتمع وتحمل في طبيعتها سلوكا اجتماعية محددة، وليست بطبيعة الحال واقعية،  لكننا نجد فيها  العديد من الصفات التي يمكن أن تشير إلى سلوك ما وبسهولة يمكننا أن تفك شفرتها ونتعرف عليها وهناك عدد من الأسماء التي تشير إلي هكذا شخصيات في مسرح الهواة في جنوب السودان وعلي سبيل المثال (شخصية تمساح،  الغريب،  الجلابي ) أو في بعض الأحيان يتم سياقة صورة خارجية لها تعبر عن سلوكها ورغبتها وشجعها كأن تكون  على سبيل المثال ذات كرشة كبيرة أو ترتدي جلباب او زي معين يرتبط في ذاكرة الجمهور بنوع معين من الشخصيات) باعتباره شفرة ثقافية إجتماعية سياسية.

· اكسسوارات و فنيات العرض:

الاكسسوارات: هي في الغالب اجتهادات من واقع الحياة اليومية ولا يغيب عنها البعد الرمزي الذي يعج بالعديد من التفاصيل التي يمكنها ان تعكس بعض الجوانب العادية للشخصيات ومنها ما تعرض الجوانب العميقة في رمزيتها عن طبيعة الشخصيات ومعانيه، وفق الرؤية الجماعية للاخراج.

· فنيات العرض الأخرى :
  الديكور وملحقاتها هي بسيطة جدا وفقيرة  في شكلها ولكنها غنية في رمزيتها الجمالية والدلالية لأن معظم هذه الفرق تفتقر إلى الإنتاج المحترف لذا فإننا نجدها تجتهد على مستوى ما يتوفر لها لجعل المكان اقرب الى واقع الحال.

 

جنوب السودان

التحديات:

· الفقر:

أعني هنا فقر وجفاف الانتاج حيث لا توجد الى الان ميزانية سنوية للانتاج الفني ذلك لغياب سياسة تمويل مسرحى لدي المؤسسات المسؤولة عن العمل الثقافي  وهذا تشكل الازمة الحقيقة للعمل المسرحي في جنوب السودان.

تبادل الخبرات ومحدودية التجربة:

هذا بلا أدنى شك ينتج الفقر الفكري والجمالي والفني في تطوير الذات والتذوق الجمالي مما يساعد في تقبل ما يعرف بالتحليل والنقد باعتبار أنهما الجناح الايجابي في تطوير العملية الإبداعية والمسرحية بشكل خاص.

· الإنتاج:

لابد ان يكون هناك نظام صرف محدد لإيجاد الاستمرارية التي سوف تولد دون شك تطوير وتدريب مستمر مما سوف ينعكس ايجابيا على تطوير الكادر الفني على جميع المستويات الإبداعية (التاليف،  التمثيل،  الفنيات ، النقد والإخراج). 

· غياب المواسم المسرحية.

هذه أزمة حقيقية لأن هذه المواسم تشترط وجود مكان للعمل على مستوياته المختلفه،  صالات للبروفة والتجريب ،  والمسارح المتخصصة للعروض او المكان الذي يمكن أن يستوعب العروض ويلامس طموح وأحلام المخرجين.

عدم القدرة على الاستمرارية:

هذه النقطة في راي الدراسة هي نتيجة حتمية للواقع الذي يمر به حال دراما المسرح في جنوب السودان على جميع مستوياته المحترفة وغير المحترفة، لانه لايمكن ان تكون هناك استمرارية دون إنتاج ودون دور أو بيوتات عرض، في اقل الامكانيات التي يمكن أن تطور إمكانيات صانعي العرض المسرحي.

التوثيق والدراسة:

هي مجهودات فردية تقوم بها بعض المؤسسات ولكنها لا تشفي ظمأ التجربة المسرحية نفسها لذا فهي فقيرة ومتواضعة جدا،، تنتشر هنا وهناك،لذا يمكننا أن نقسمها الى نوعين للتوضيح:

أولا: توثيق ذاتي: وهي من المجموعة المسرحية نفسها فهي توثق إنتاجها وعرضها على مستويات شخصية وتسوق على نفسها في المواقع الاجتماعيه ولانها داعية غير متخصصة تنتهي التعليقات البسيطة ويزول تأثيرها بعد أيام.

ثانيا: توثيق غير ذاتي:  وهي محدودة مرتبطة بالاجهزة الإعلامية والجرائد والإذاعات المحلية، فهي تجتهد في توثيق العديد من التجارب وتوفير مكتبة مناسبة من الإنتاج الفني، في انتظار التحليل والتفنيد والنقد للتطوير.

مستقبل مسرح الهواة

 · تباشير تأسيس مجلس مهن الموسيقى والفنون والمسرح.

· توفير الدراسات المتخصصة.

· تنظيم  تبادل الخبرات.

· ايجاد ورش متخصص لتطوير الأداء وضمان الجودة.

· خلق  شراكات ذكية مع المتخصصين.

· البحث عن مصادر التمويل وبناء القدرات البشرية لضمان الاستمرارية.

مسرح الهواة ليست لعنة على ممارسيها، لكنه معمل ومصنع لاختبار صلاحية الفنانين الذين سوف يقودون مستقبل العمل المسرحي في جنوب السودان، وانا افتخر جدا بانني قبل ما يقارب 29 عاماً عندما كنت في  العاشرة من عمري،  كنت ضمن فرق الهواة امارس نشاطي المسرحي،  والشكر والتقدير الى هذا المعمل الذي أنتج ومازال ينتج العديد من المسرحيين الواعدين لهذا الوطن الجميل.

 

* أستاذ مشارك

عميد مدرسة الفنون والموسيقى والدراما - جوبا 

 

 

 

 

المصدر: المركز الاعلامى - مؤسسة س للثقافة والابداع
seen-fcc

مؤسسة س للثقافة والابداع

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 859 مشاهدة

الترجمة

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

913,299

الدورة الثامنة بمحافظة قنا

تقام الدورة الثامنة من المهرجان المسرحى الدولى لشباب الجنوب فى محافظة قنا  خلال الفترة من 1 : 6 مارس 2024