بقلم :   د .مهند البراهيم العميدي

المتغيرات الثقافية هي عملية هدم وبناء على مر التاريخ البشري فالتغير لايطرا على العادات اليومية التغيير الثقافي هو عبارة عن التحول الذي يتناول كل الثوابت التي تطرأ على فروع الثقافة ، وهو ايضا مصطلح يستخدم في صنع السياسات العامة التي تؤكد على التراث الثقافي ، وعلى وفق ذلك كانت المتغيرات هي الاساس في حلحلت البنية الاجتماعية وتفكيكها  وتعمل بذلك على انتاج بنى احرى وعلى وفق المتغير الجديد بمعنى ان المتغير الثقافي له القدرة على هدم الموروث المقدس لأي بنية مجتمعية وكذلك العادات المتداولة بل يضرب بعيدا في المنظومة القيمية المتوارثة التي تقدسها البنية المجتمعية لبلد ما  ويقول ادم كوبر في هذا الصدد ان القيم وليست العادات وحدها قابلة للتغير ، وعليه فان الذات الانسانية تبدا بالبحث عن حاجة جديدة تشبع رغباتها وتتساوق بها مع معطيات المتغير الجديد وفعله في ظرب المركز القيمي فتبدا في التفكير في اعادة بناء مركز اخر وسلطة اخرى ومقدس اخر قوامه الخطاب الجديد الذي جاء به المتغير الجديد لانتاج خطاب مغاير

وهذا ما كان في اغلب المتغيرات الكبيرة والخطيرة التي جاءت على المجتمعات الانسانية وفعلت فعلتها في خلخلت البنى الاجتماعية وافقدت الذات توازنها وفككت كل ثوابتها لتعمل بذلك على انتاج ذات اخرى لتنتج خطاب جديد ، وبمظرة عامة عن مفهوم الخطاب بوصفه الوسيط اللساني المستخدم لنقل مجموعة من الأحداث الواقعية والتخيلية التي سمّاها جينيت بالحكاية، وكما عرّفه جابر عصفور:،هو اللغة في حالة فعل، ومن حيث هي ممارسة تقتضي فاعلا، وتؤدي من الوظائف ما يقترن بتأكيد أدوار اجتماعية معرفية بعينها، ويذهب فوكو إلى أنّ الخطاب مساحةٌ ذات حدودٍ قوية من المعرفة الاجتماعية؛ ونظام من القول يمكن من خلاله معرفة العالم، وعليه فان الخطاب متغير وفق المتغير الثقافي الجديد ، فالحربين العالميتين الاولى والثانية  وما بينهما وما اعقبها من ارهاصات فكرية وخطاب مغاير لكل المتوارث المجتمعي المقدس ،اذ ان الحربين العالميتين قد انتجا خطابا مغايرا يتسم   بالتشائم الذي تلقفته ايادي مجموعة جديدة من كتاب الدراما وعلى راسهم يوجين يونسكو وصاموؤيل بيكت الذين استطاعوا ان يتلقفوا المضمر المجتمعي وسبر اغواره وعرضه في الظاهر النصي في قالب جديد فكك به كل المتوارث النصي العالمي شكلا ومضمونا ، في الياته وفي التعامل مع عناصر النص وكذلك في خطابه الدرامي ، فكانت نظرية التشائم هي اللازمة التي استبصرها كتاب اللامعقول والعبث ، هذه الروح التي غلفت البنية المجتمعية الاوربية والذات الانسانية ، فقد سيطر الرعب والحالة الانسانية الماساوية والضياع وفقدان الامل على الحياة الفكرية والنفسية للذات الاوربية خاصة والانسانية بشكل عام حيث يقول يونسكو في هذا الصدد ليس لي في هذا العالم غير الزوال والوحشية والجنون واللاشيئية والرعب والكراهية ، وعلى وفق كل هذا المحيط الموحش الفاقد للامل في ظل انسان محطم كان كتاب اللمعقول يعملون على عرض ازمة الاتسان من خلال اضفاء البناء الحلمي الكابوسي على شخصياته

اما صامؤيل بيكت فكان الطابع الذي يسود مسرحه هو الماساة الدائمة للانسان الذي يحاول ان يهب في وجه وجوده القاصر والخيبات التي يستشعرها ازاء مصيره المحتوم

هذا نموذج لمتغير خطير اربك المنظومة المجتمعية الاوربية والانسانية وعمل على انتاج خطاب مغاير وجديد تمثل به للمضمر المجتمعي الانساني

اما اليوم ونحن امام متغير جديد هو ليس وبائي فقط ولم تختص به جغرافية عن اخرى بل هو جائجة ضربت الارض مشارقها ومغاربها اربكت الاقتصاد والسياسة وهدمت القيم الوضعية وزادت عزلت الانسان وبدا مفهوم الشك يهيمن ، فالانسان اصبح  يشك بذاته اولا بوصفه ناقلا للموت وكذلك شكا بالاخر بوصفه ناقلا للموت هو الاخر فما بين ذاته والاخر يعيش الانسان ما بين مفهوم الموت ومفهوم الشك وبالاضافة الى ذلك عملت هذه الجائحة على تهشيم فكرة المركز الامن  فلا مدن امنة ولا مدن بعيدة عن خطر الموت وعليه فقد كانت هذه الجائحة متغيرا خطيرا اربك المنظومة المجتمعية واربك الذات الانسانية  ولان الادب والمسرح هم نسق يعمل على استشعار المضمر المجتمعي المهيمن عليه فلابد من ظهور خطاب مسرحي مغاير يتساوق مع الفعل الذي انتجته الجائحة

فالقادم من الايام نحن بانتظار نص مسرحي مغاير جديد يعبر عن الانسان الجديد الذي انتجه كوفيد 19 وخطاب جديد لمضمر مجتمعي اربكته وانتجته بذات الوقت كوفيد 19.

 

  • باحث واكاديمي ( العراق )

 

 

 

المصدر: مركز الدراسات والابحاث - مؤسسة س للثقافة والابداع
seen-fcc

مؤسسة س للثقافة والابداع

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 815 مشاهدة

الترجمة

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

917,008

الدورة الثامنة بمحافظة قنا

تقام الدورة الثامنة من المهرجان المسرحى الدولى لشباب الجنوب فى محافظة قنا  خلال الفترة من 1 : 6 مارس 2024